القاعدة الأولى في الواقع الافتراضي:الحفاظ على الحضور

0



أقف على سطح مبنى مرتفع، وأنظر إلى الشارع في الأسفل من ارتفاع مئات الأقدام بينما ألتقط أنفاسي. يتموّج العلم على سطح المبنى المجاور بقوّة من شدة الرياح، وأنا أسحب أصابع قدمي بعيدًا عن الحافة قبل أن أفقد توازني وأسقط نحو الشارع. أسمع خطوات من يطاردونني تقترب بشدة من ناحية سلالم المبنى، ولكن بإلقاء نظرة شاملة على المكان أُدرك أن لا مفر، لا يوجد مكان للاختباء. لا خيار أمامي سوى القفز، فأقفز إلى سطح المبنى المجاور. نظرت خلفي لألقي نظرة أخيرة، وبعدها… تظهر البكسلات لتشوّه عالمي الجميل هذا… لقد اختفى السحر!

يُنتظر من الواقع الافتراضي أن يُحدث تحولًا جذريًا في مفهوم الترفيه الشخصي بالشكل الذي نعرفه، ومن المحتمل أن يكون تأثيره طويل الأمد لدرجة أن يتجاوز جميع أشكال التكنولوجيا “الثورية” في هذه الأيام؛ جيث أن استخدام مجموعة السماعات والنظارات الخاصة بالواقع الافتراضي سيكون من شأنه قذف المستخدم إلى عوام جديدة من تجارب ترفيهية تحاكي الحياة الواقعية لدرجة أنها ستبدو حقيقية بمجرد ارتداء هذه المجموعة.
وفي حين يكون المراقب مجرّد مشاهد في حالة الأفلام التقليدية، فإن تقنيات الألعاب الحديثة ستحول المستخدم إلى مشارك فاعل في الأحداث، لأن تقنية الواقع الافتراضي تأخذ الآن خطوةً عملاقة للأمام، لتضفي على هذه العوالم الرقمية طابعًا واقعيًا يشابه واقعية العالم الحقيقي. ولكن لتحقيق هذا، يجب أن تصبح التكنولوجيا غير مرئية وغير ملموسة وغير قابلة للاكتشاف، ففي اللحظة التي تكشف التكنولوجيا عن نفسها كنتيجة لتجربة غير واقعية أو واجهة تحكّم يصعب التعامل معها، يبطل مفعول السحر ويتلاشى “الحضور” في العالم الافتراضي.
أصبح الآن من الممكن إتاحة تجربة تحاكي الواقع بشكل فعلي من خلال تقنية الواقع الافتراضي، نظرًا للتطورات الهائلة في قدرات المعالجة والرسوميات والفيديو والعرض. ومع ذلك، فإن ميزة “العنصر السحري” لا تقتصر فقط على تحقيق التجربة الواقعية، وإنما الحفاظ عليها أيضًا، ونحن نطلق على هذه القاعدة اسم “الحفاظ على الحضور”

فهم “الحضور”

دعونا نفكّر في الأمر لوهلة، إن قاعدة “الحفاظ على الحضور” تتطلب فهمًا واضحًا لما نحتاجه كي “نحافظ على الحضور”، مع فهم العناصر الحيوية اللازمة لتحقيق مفهوم الحضور ضمن بيئة افتراضية.
يُقارن الحضور في الواقع الافتراضي عمومًا مع مفهوم “الانغماس”، وهو شعور المرء بأنه حاضر جسديًا في عالم لا مادّي، أو حالة من الوعي تجعله يعيش تجربة تبدو حقيقية بكافة المعايير رغم كونها افتراضية. ويمكن قياس “الحضور” وفقًا لمدى “واقعية” البيئة الافتراضية ومحاكاتها للواقع الحقيقي بما يجعل المرء يعتقد أن ما يعيشه حقيقة لا شكّ فيها، وكلما زاد تصديق المستخدم لهذه التجربة، كلما تعزّز مفهوم “الحضور”.
يقسّم الباحثون مدى “الحضور” في الواقع الافتراضي إلى ثلاث فئات فرعية رئيسية: الشخصي، والاجتماعي والبيئوي؛ إذ يشير مفهوم “الحضور الشخصي” إلى مدى شعور المستخدم بأنه موجود شخصيًا داخل العالم الافتراضي. بينما يشير “الحضور الاجتماعي” إلى التفاعل مع كائنات أخرى -محاكاة كانت أم حقيقية- ضمن العالم الافتراضي. أما “الحضور البيئوي”، فهو يحدث عندما يبدو العالم الافتراضي وكأنه يعي وجود المستخدم ويتفاعل معه تبعًا لذلك.
يعمل مطورو الواقع الافتراضي على تحقيق “الحضور” من خلال تطبيق مجموعة واسعة من الأفكار والابتكارات التكنولوجية، بما يشمل إضافة مجموعة واسعةٍ من المدخلات الحسية التي يمكن للمستخدم أن يتحكّم بها، أو العناصر الوهمية ضمن البيئة الافتراضية، فضلًا عن تعزيز سرعة وسلاسة استجابة البيئة الافتراضية لأدوات تحكّم المستخدم أو أوامره.

دور التكنولوجيا في الواقع الافتراضي

إن تصميم بيئة افتراضية تحاكي الواقع يتطلب قدرات حاسوبية هائلة من أجل بلوغ أفضل معايير أداء ممكنة. وبينما يجب استخدام التكنولوجيا لإيجاد “الحضور الافتراضي” والحفاظ عليه، غير أنها يجب أن تبقى خارج المشهد بحيث لا تؤثر على واقعية العملية.
تتطلب تكنولوجيا الواقع الافتراضي معالجة أسرع للرسوميات، ودقة عالية للصور، وزمن كمون منخفض مع جودة بصرية عالية، وذلك مع التخلص من أي تأخيرات في المعالجة أو مشاكل في إطار الرسوميات، أو تباطؤ في الاستجابة للأحداث أو المؤثرات داخل العالم الافتراضي.
إن الهدف النهائي من تكنولوجيا الواقع الافتراضي هو الحفاظ على ذاك “العنصر السحري” الذي يمنح التجربة طابعها “الانغماسي”،وهنا يكمن جوهر الواقع الافتراضي. ومن الناحية الأخرى، لا يحتاج مستخدم الواقع الافتراضي سوى إلى شيء واحد من أجلالحصول على التجربة الأمثل؛ ألا وهو جعل التكنولوجيا تختفي. واليوم أصبحت أسرع الحواسب الشخصية قادرة على أداء هذه المهمة تقريبًا، في حين ستشكّل الحواسب التي يُعتزم إطلاقها في المستقبل أساسًا لإضفاء مزيد من الكمال على هذا الفن.
الخيار الوحيد هو القفز إلى المبنى المجاور، ألتفت إلى الوراء لألقي نظرة أخيرة…ومن ثم …أقفز. أشعر وكأنني أطير وأحط برفق على السطح.. لكنهم ما زالوا يطاردونني…فأرى الدرج أمامي وأركض كالريح.