حساسات مرنة قابلة للارتداء لقياس تدفق الدم بشكلٍ مستمر!

0

في الوقت الحالي، وإذا أراد الإنسان أن يقوم بإجراء طبيّ بهدف قياس التدفق الدموي، فإن ذلك سيتطلب منه أن يذهب إلى عيادةٍ تخصصية أو مستشفى، ومن ثم البقاء ثابتاً طوال وقت التصوير الذي يهدف لقياس التدفق الدموي. بالمختصر، العملية المعقدة وتترافق مع عدة متطلبات طبية معينة. بكل الأحوال، فإن هذه التفاصيل على وشك أن تتغير، بفضل مفهوم “الحساسات القابلة للارتداء Wearable Sensors” والتي بدأت تجد طريقها للاستخدام في المجال الطبي. آخر هذه الحساسات الحديثة هو حساس صغير، يلتصق بالجلد بشكلٍ مشابه للوشم، ويستطيع أن يقوم بعملية قياس التدفق الدموي بشكلٍ مستمر وطوال 24 ساعة.
يمكن للحساسات القابلة للارتداء أن تغير بشكل حرفيّ من العديد من المفاهيم المتعلقة بالرعاية الصحية والتشخيص الطبي. حالياً، معظم عمليات التشخيص الطبي تتطلب أجهزة وتقنيات تخصصية، تتواجد ضمن العيادات الطبية أو المستشفيات أو مراكز الرعاية الصحية. تطور التقنيات الإلكترونية، وظهور نمط جديد من الإلكترونيات المتوافق مع بشرة الإنسان -والتي تعرف باسم إلكترونيات البشرة Epidermal Electronics – من الممكن أن يحدث تغييراً جذرياً بهذا الشأن. من الممكن أن يصبح الإنسان قادراً على مراقبة العديد من المؤشرات الحيوية والطبية بدون الحاجة للذهاب بشكلٍ دوريّ إلى العيادات أو المراكز الصحية. أكثر من ذلك، قد يستطيع الإنسان أن يؤمن عملية مراقبة مستمرة للمؤشرات الحيوية والطبية الهامة بشكلٍ مستمر، أي طوال ساعات النهار، وحتى أثناء الحركة. كل هذه الأمور من الممكن أن تتم بفضل الحساسات الإلكترونية الذكية الجديدة، التي أصبح بالإمكان زرعها ضمن جلد الإنسان بشكلٍ مشابه لرسم الوشوم Tattoo.
آخر هذه التطورات هو الحساس المطور في جامعة إلينوي عبر فريقٍ بحثيّ دولي. يستطيع هذا الحساس أن يقيس التدفق الدموي على بعد 1-2 ميللي متر من الجلد، وذلك حتى لو كان جسم الإنسان بحالة حركة.
يقول ريتشارد ويب، المرشح للحصول على درجة الدكتوراه في علوم المواد من جامعة إلينوي :” لنفترض أنه يوجد مريض سكري يريد أن يراقب التغيرات الحاصلة ببعض الأوعية الدموية وذلك بشكلٍ مستمر وطوال 24 ساعة. حالياً، لا يوجد أي طريقة للقيام بذلك”.
تم تطوير الحساس القابل للارتداء الجديد بالتعاون مع المعهد الوطني للصحي في أمريكا، ومجموعات بحثية أخرى من أمريكا والصين. تم نشر نتائج البحث بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر من العام الحالي في مجلة Science Advances.
تعتمد معظم الأجهزة الحالية المستخدمة لقياس تدفق الدم على تقنيات التصوير الضوئية Optical Imaging Techniques ، والتي بدورها تتطلب من المريض أن يبقى ثابتاً خلال عملية التصوير. ما فكر به ريتشاد وريب وزملاؤه هو تطوير حل بديل بشكلٍ جذري: الاعتماد على تقنية الإلكترونيات المرنة Flexible Electronics Technology وذلك من أجل الحصول على حلٍ جيد وقابل للارتداء.
بالنهاية، تمكن الباحثون من تطوير حساس رقيق وخفيف الوزن، حيث يتوضع الحساس على الجلد بدون أن يقوم بتشويه التدفق الدموي، وهو العملية المطلوب قياسها. يلتصق الحساس بالجلد اعتماداً على قوى فاندرفالس (قوى تفاعل ضعيفة بين الجزيئات). يسمح التجاذب المعتمد على قوى فاندرفالس بتجنب حصول أي حركة بين الحساس والجلد، وذلك من أجل ضمان دقة القراءات والتسجيلات التي سيحصل عليها الحساس.
يشرح ويب :” بشكلٍ أساسيّ، ما كنا نحاول القيام به هو إزالة أي حركة نسبية بين الحساس والجسم. هذا الأمر سيسمح لنا بالحصول على معلوماتٍ سريرية من دون أن نكون مضطرين لتقييد حركة الإنسان”.
قام ويب وزملاؤه ببناء الحساس من طبقات شديدة النحف تتكون من السليكون، الذهب، الكروم، والنحاس المدعوم بالسليكون. الجزء الأكبر من كتلة الحساس هو من طبقة سليكونية نحيفة بسماكة 40 ميكرومتر. تمتلك كل من الطبقات الأخرى سماكة تتراوح ما بين عشرات إلى مئة نانومتر.
يقوم الحساس بالتقاط التغيرات الحاصلة في الأنماط الحرارية والناتجة عن حركة الدم تحت الجلد. يقوم محرض حراري Thermal Actuator متوضع ضمن الحساس بتسخين درجة الحرارة إلى 6-7 درجة مئوية، وذلك من أجل تأمين خلفية حرارية للقياسات. قد تبدو هذه القيم كبيرة بالنسبة لجسمٍ صغير يتوضع فوق الجلد، ولكنها ومع ذلك، تبقى أقل من عتبة حساسية الجلد للحرارة. الاستطاعة الحرارية الناتجة عن عمل المحرض الحراري تبلغ 3.5 ميللي واط لكل ميللي متر مربع، وهي قيمة صغيرة ولن يشعر الشخص المرتدي للحساس بأي فرق – تقريباً.
تتوضع حلقتان حول المحرض الحراري، وتلعب هاتين الحلقتين دور الحساس، ووظيفتهما التقاط التغيرات الحاصلة في الأنماط الحرارية الناتجة عن التدفق الدموي وذلك حتى دقة تبلغ 0.01 درجة مئوية. أخيراً – وليس آخراً – تتولى خوارزمية حاسوبية مسؤولية تفسير تغير الأنماط الحرارية واستخلاص معدل التدفق الدموي اعتماداً عليها.
تم إجراء الاختبارات لتحديد جودة ودقة عمل الحساس. تضمنت الاختبارات تجارب على البشر، حيث تم تجربة الحساس على متطوعين وهم بحالة الراحة لمدة 5 دقائق، ومن ثم وهم بحالة حركة لمدة 3 دقائق، وأخيراً تم تجريبه عليهم وهم مستلقون على ظهورهم. قام الباحثون أيضاً بمقارنة النتائج التي حصلوا عليها من عمل الحساس مع الأجهزة الضوئية الطبية المعتمدة من أجل قياس التدفق الدموي. أظهرت نتائج المقارنة أن القياسات المجراة باستخدام الحساس الجديد دقيقة بشكلٍ جيد.
مع ذلك، لا يزال هنالك بضعة خطوات قبل أن يصبح الحساس متاحاً بشكلٍ تجاريّ. أول مشكلة عليهم أن يقوموا بحلها هي تطوير نسخة تتضمن نظام تغذية كهربائي ضمن الحساس، بالإضافة إلى تضمين الحساس مع وسيلة أو تقنية تمكنه من إرسال المعلومات والمعطيات لاسلكياً إلى حاسوبٍ محمول أو أي جهازٍ آخر.
عندما يتحقق ذلك، أي عندما يتغلب الباحثون على الصعوبات المتعلقة بجعل الحساس متوافر بشكلٍ تجاري، فإن هذا الإنجاز سيؤدي وبشكلٍ أكيد لتغيرٍ جذريّ في عمليات التشخيص الطبي، خصوصاً أنه سيؤمن كمياتٍ كبيرة من المعطيات بشكلٍ مستمر بما يساهم بمزيدٍ من الفهم المحيط بحالاتٍ مرضية معينة مثل السكري، تصلب الشرايين، والقضايا المتعلقة بتقدم الإنسان بالعمر. من الممكن أيضاً أن يتم تضمين مثل هكذا حساس مرن ضمن الأعضاء الداخلية لجسم الإنسان، وكذلك مع الأدوات الجراحية، أو حتى الأجهزة القابلة للزرع Implantable Devi.

مع تحيات : المنهدس / حمزة خالد